الرئيسة \  مواقف  \  كلمة تأبين ووفاء وعزاء.. بفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله

كلمة تأبين ووفاء وعزاء.. بفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله

02.10.2022
الأستاذ علي صدر الدين البيانوني

 
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة تأبين ووفاء وعزاء..
بفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله



      
الأستاذ علي صدر الدين البيانوني

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ .. وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ .. فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ .. وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.. مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.. (صدق الله العظيم)
فقدت الأمة الإسلامية قبل أيام، علماً من أعلام هذا القرن، هو العلاّمة المجدّد، فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى.. الذي جمع الله فيه من معالم النبوغ وسمات العبقرية ما لا يجتمع في إنسان واحد إلاّ نادرا، فكان رجلاً في أمة، وأمة في رجل.
فهو فقيه عبقريّ نابغة، يأخذ بالأصالة والمعاصرة، صاحبُ منهج فقهيّ متميّز، يجعله قامة عالية بين الفقهاء.. وهو كاتب إسلامي رشيق، لا يتناول موضوعا إلا ويبلغ فيه من الإشباع والإقناع قمتيهما، يمزج في كتاباته حلاوة الأدب، مع رقة الأسلوب، بما يزيدها قوة وروعة، وقد شرّقت كتبه وغرّبت، ودوّى صداها في الأفاق. وهو أديب بارع، رزقه الله ملكة بيانية قوية وذوقا سليما، وأسلوباً بارزاً، يتحكّم فيه سبك محكم بديع.. وهو شاعر إسلاميّ موهوب، يدعو إلى الخير ويهدي إلى البرّ.. وهو خطيب مفوّه، حاضر البديهة، جهوريّ الصوت، ينادي بحرية الشعوب، ويقارع الطغيان. وهو رمز الصحوة الإسلامية الحديثة، يقود جماهيرها بإيمانه القوي، وحكمته الدعوية الكبيرة. وهو رجل المواقف والبطولات، يأبى طبعه الحرّ قبول الضيم والهوان، والتنازل عن متطلّبات الإيمان.
وهو قبل ذلك كله وبعده، داعية إسلامي بارز، يتمتع بجميع مواصفات الداعية المسلم، من الورع والتقوى، والزهد والشجاعة، والصبر والحكمة، والبصيرة والحنكة، والخبرة والعلم الأصيل والفكر النيّر، والقلب السليم، والعقل الحصيف، والاطلاع على أحوال العالم وأخلاق الشعوب؛ تسري روح الدعوة في عروقه، وفي جميع أعماله وشئونه، فهو داعية حينما يفتى، داعية حينما يخطب، داعية حينما ينصح، داعية عندما يقرض الشعر، داعية عندما يكتب، داعية في حضره وسفره وفي جميع أحواله.. لذلك كله.. كان فقده خسارة فادحة لا تعوّض..
وقد كان لي شرف التعرّف على فضيلته مباشرة، منذ حوالي أربعين سنة، بعد أن تعرّفت عليه من خلال كتبه التي استفدت منه أيّما فائدة، كما كنت أحرص على زيارته في الدوحة كلما سافرت إليها.
ولا يمكن أن أنسى اهتمامه بأوضاع بلدنا سورية، المنكوبة بالدكتاتورية، ومحاولاته التخفيف من معاناة شعبنا، وكذلك وقوفه بكلّ قوة، مع ثورة الشعب السوريّ، والثورات الشعبية الأخرى، ضدّ الظلم والاستبداد والفساد..
اللهمّ تغمّده بواسع رحمتك.. وأسكنه الفردوس الأعلى من جناتك.. واجمعنا به في مستقرّ رحمتك.. مع الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين.. وحسُن أولئك رفيقا.. اللهمّ آجرنا في مصيبتنا.. وعوّضنا خيرا.. وألهمنا وأسرته الكريمة وإخوانه وتلامذته ومحبّيه، الصبر والرضى وحسن العزاء..
اللهم إن كان محسناً – ونحن نشهد له بذلك – فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه.. ولقّه الأمن والبشرى والسعادة والزلفى.. اللهمّ إنه وفد عليك وأصبح في جوارك – وأنت أكرم الأكرمين – اللهمّ فاجعل قِراه منك الجنة.. اللهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله برحمتك يا أرحم الراحمين.
6 من ربيع الأول 1444
الموافق 2 من تشرين الأول 2022
أبو أنس
علي صدر الدين البيانوني